مدرسة العهد الابتدائيه اللقيه

          كَما يَسْعى رِجالُ البوليسِ السِّريِّ أَوْ رجالُ الْمَباحِثِ إِلى كَشْفِ الأَسْرارِ، يَسْعى عُلَماءُ ‬

       الْآثارِ‭ ‬إِلى‭ ‬الْبَحْثِ‭ ‬عَنْ‭ ‬دلائلَ‭ ‬لِكَشْفِ أَسْرارِ الماضي وَخَباياهُ.

         رِجالُ الْمَباحِثِ يَبْحَثونَ عَنْ مَفاتيحَ لِحَلِّ لُغْزِ الْجَريمَةِ، أَمّا عُلماءُ الْآثارِ فَيَبْحَثونَ عَنْ

5    مَفاتيحَ تُساعِدُهُم في فَهْمِ طَريقَةِ حَياةِ النّاسِ في الزَّمَنِ الماضي: ما هِيَ عاداتُهم؟ ماذا

      كانوا يَأْكُلونَ؟ ماذا كانوا يَزْرَعونَ؟ بماذا كانوا يُؤْمِنونَ؟ أَيْنَ سَكَنوا؟

         كَثيرٌ‭ ‬مِنْ‭ ‬مَظاهِرِ‭ ‬الْحَياةِ‭ ‬الماضِيَةِ‭ ‬زالَ‭ ‬وَطَواهُ الزّمانُ. وَلَكِنْ لا تَزالُ ‬أَنْقاضُ‭ ‬المَباني‭ ‬الْقَديمَةِ،

      القُبورُ، وَبَعْضُ الْأَدَواتِ، وقِطَعُ الفَخّارِ وَالْحِلِيِّ والنُّقودِ الَّتي اسْتَعْمَلَها القُدَماءُ، مَطْمورَةً

      في‭ ‬التُّرابِ‭.‬

10     واحِدٌ مِنْ أَهَمِّ المفاتيحِ الّتي يَسْتَعْمِلُها عُلماءُ الآثارِ في البَحْثِ هِيَ الفَخّارِيّاتُ. لَقَدْ

      استعمَلَ النّاسُ وَعَبْرَ آلافِ السّنين الماضيَةِ الأوانِيَ الفَخّارِيَّةَ. وهذهِ الأواني يَجِدُها العُلَماءُ

      عَلى شَكْلِ قِطَعٍ مَكْسورَةٍ، فَيُعيدونَ بِناءَها لِكَي يَرَوْا ما كانَتْ تُمَثِّلُهُ مِنْ أوانٍ فَخّارِيَّةٍ في ‬

‬      الماضي‭.‬

         عِنْدَما يَبْحَثُ الْعُلَماءُ في القِطَعِ الفَخّارِيَّةِ، لا

15  يَنْظُرونَ في شَكْلِها الْخارِجِي فَقَطْ، بَلْ في كَيْفِيَّةِ

      صُنْعِها، وَمِنْ أَيِّ مَوادَّ. وبالتَوَصُّلِ إلى هذِہِ

      المَعْلوماتِ يَتَوَصَّلونَ إِلى مَعْلوماتٍ عَنْ حياةِ

‬      الْقُدَماءِ‭.‬

         في البِدايَةِ يُصْنَعُ الفَخّارُ بإِضافَةِ الماءِ إِلى نَوْعٍ

20  مِنَ التُّراب يُدْعى الطّينَ الفَخّارِيَّ أَوِ‭ ‬الصَّلْصالَ‭.

      وَعِندَما يَكونُ هذا الطّينُ طَرِيًّا، فِإنَّ الصّانِعَ

      يَستَطيعُ إِعطاءَہُ الشَّكْلَ الّذي يُريدُ.

      وَبَعْدَ تَسْخينِهِ في أَفْرانٍ خاصَّةٍ، فَإِنَّ الطّينَ يُصْبِحُ أَصْلَبَ كَثيرًا، وَيُحافِظُ عَلى الشَّكْلِ الّذي

      وُضِعَ‭ ‬فيهِ‭.‬

25     هُناكَ أَنْواعٌ كَثيرَةٌ مِنَ التُّرابِ الفَخّاريِّ. وَبَعْضُها يَحْوي مادَّةَ الحَديدِ. وهذا الحَديدُ يُعْطي

      الْأوانِيَ‭ ‬الفَخّارِيَّةَ‭ ‬لَوْنًا‭ ‬ضارِبًا‭ ‬إِلى الحُمْرَةِ. وَبَعْضُ القُدَماءِ كانوا يُغَيِّرونَ هذا اللَّوْنَ بإِضافَةِ

      مَوادَّ أُخرى إِلى الطّين. مَثَلًا كانَ الْبَعْضُ يُضيفُ الْفَحْمَ وَالزَّيْتَ لِجَعْلِ الْأواني الفَخّارِيَّةِ

      سَوْداءَ، وبَعْضُهُم كانَ يُضيفُ النُّحاسَ لِتَظْهَرَ الأَواني زَرْقاءَ.

      لِجَعْلِ الطينِ سَهْلًا عِندَ التَّشْكيلِ، كانَ الْقُدَماءُ يُضيفونَ مادَّةً‭ ‬مُلَيِّنَةً.‭ ‬مِنْ‭ ‬هذهِ‭ ‬المَوادِّ‭ ‬كانَ‭ ‬

30  الرَّمْلُ، أَوِ الحِجارَةُ المَطْحونَةُ، أَوِ الْأَصْدافُ المُكَسَّرَةُ، أَوِ القَشُّ أَوِ النَّباتُ.

         إِنَّ عالِمَ الآثارِ يَسْتَطيعُ أَنْ يَعْرِفَ مَصْدَرَ الْأواني الفَخّارِيَّةِ، إِذا عَلِمَ مِنْ أَيِّ المَوادِّ هِيَ

     ‬ مصنوعةٌ. فَإِذا كانَتْ هذِہِ الْأواني غَيْرَ مَأْلوفَةٍ في المَكانِ الَّذي وُجِدَتْ فيهِ، خَمَّنَ طُرُقَ‬

      تَنَقُّلِها، والِاتِّجارِ بِها بَيْنَ المناطِقِ المُخْتَلِفَةِ.

         في بَدْءِ التّاريخِ البَشَرِيِّ، كانَتِ الْأَوانِي الفَخّارِيَّةُ تُصْنَعُ بِبَساطَةٍ مِنْ صُنْعِ تَجْويفٍ في كُتَلِ ‭ ‬‭ ‬

35  الطّينِ، ثُمَّ وَضْعِها فَوْقَ قَشٍّ جافٍّ، ثُمَّ تَعْريضِها لِلنّار. وَالنَّتيجَةُ كانَتْ فَخّارًا خَشِنًا، عَديمَ

      الزّينَةِ. مِثْلُ هذهِ الفَخّاريّاتِ كانَتْ تُستَعْمَلُ كَأوانٍ لِلطَّبْخِ.

      في فَتَراتٍ مُتَأَخِّرَةٍ صُنِعَتْ «أَوانِي اللَّفِّ». في الْبِدايَةِ صُنِعَتْ حِبالٌ طَويلَةٌ مِنَ الطّينِ‬

      الفَخّارِيِّ، ثُمَّ لُفَّتْ هذهِ الْحِبالُ عَلى شَكْلِ دَوائِرَ، وَوُضِعَتِ الواحِدَةُ

‬      فوقَ‭ ‬الْأُخْرى‭ ‬لِتُشَكِّلَ‭ ‬الْآنِيَةَ المَطْلوبَةَ. أَمّا الخُطوطُ‭ ‬النّاجِمَةُ‭ ‬بَيْنَ‭ ‬هذِهِ  

40  الدَّوائِرِ فَكانَتْ تُنَعَّمُ بواسِطَةِ القُماشِ أوِ الجِلْدِ. بهذِہِ الطَّريقَةِ

      صُنعِتْ أَواني الشُّرْبِ - كَالْأَباريقِ وَالْأَكوابِ.

      هذِہِ الأَواني كانَتْ تُزَخْرَفُ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَكانَتْ توضَعُ في أَفْرانٍ

      بِدَرَجاتِ حَرارَةٍ عالِيَةٍ. وَكُلَّما كانَتْ دَرَجَةُ الحَرارةِ أَعلى، كانَتِ الْأَواني الفَخّارِيَّةُ أَبْقى.

      ثُمَّ إنَّ الزَّخارِفَ وَالرّسوماتِ الَّتي تُكْتَشَفُ فَوْقَ هذَہِ الفَخّارِيّاتِ تَكْشِفُ لِلْعُلَماءِ عَنْ أَحْداثٍ مِنَ

45  الْحَياةِ اليَوْمِيَّةِ لِأُناسٍ اسْتَعْمَلوا هذِہِ الْأَواني، أَوْ عَنِ الأَساطيرِ وَالخُرافاتِ الَّتي كانوا يُؤْمِنونَ بِها.

       هَكذا يَسْتَطيعُ عُلَماءُ الْآثارِ أَنْ يَفْتَحوا بَعْضَ صَفَحاتِ الزَّمَنِ الماضي المَطْويَّةِ لِيَقْرأوها مِنْ جَديدٍ.

                                                                            مِنْ مَصادِرَ عَديدَةٍ - تَحريرُ المِنبر